مقالة الحق والباطل
تمهيد: أحيانا نشعر بأننا غرباء في هذا العالم وأن الظلام
يحاوطنا من كل اتجاه، وأن العيش بحرية يكون في وقت تحويل الدنيا إلى غابة متوحشة
يأكل القوي فيها الضعيف.
نراك تقول: أنا المظلوم، والجميع يسلبني حقوقي، أنا وحيد شريد ضعيف،
وغيري في مكانتي لأنه يأوي إلى ركن شديد يصبح مهابا، بينما أنا غير ذلك، بل
ينتظرون مني الخطأ والسهو والغفلة.
نراك تقول: يريدون سقوطي، هم كالأفاعي، فأين الفوز والنجاة من لذغاتهم؟
إذا: يجب على الحق أن يقف
وقفة مع نفسه ويستعد لرحلة الفوز الذي طريقه عدة من رباط المثابرة والجد
والاجتهاد.
حقيقة الصراع بين الحق والباطل
إن الصراع يكمن في الطلب الذي هو ضرورة من ضروريات الحياة إلا أن الحالة
هنا تختلف لأن الطرفين يتصارعان على طلب ما فظفر بالطلب أحد الطرفين، إلا أن الذي
فاز ضعيف بالنسبة لمن لم يظفر، وفي هذه الحالة نرى الطرف الآخر يطلب الانتقام.
إذا: في كل الأمور نجد أن
الصراع بين الحق والباطل أساسه طلب أمر ما، ويتدرج الصراع بين الحق والباطل فنجد
الطلب بالنسبة لأحدهما هو الانتقام وبالنسبة للآخر طلب النصرة وعدم الأذى.
وتختلف طريقتك في الطلب على حسب الشيء المطلوب وعلى حسب شخصية من تطلب منه.
فنراك مستقيما في الطلب إن كان ما ترغب فيه ليس فيه أية تجاوزات، ونراك
بكاء إن لم يكن لك عينا في أن تطلب ما تريد وقد تجاوزت حدك، ونراك كالطفل إن كنت
لا تخشى من تتحدث معه، ونراك صاحب كلمات عذبة إن كنت أقل شأنا ممن تخاطبه وله من
الإجلال والاحترام ما له، ونراك عنيفا إن كنت تظن أنك تستحق ما تطلب أو تظن أنك
تأوي إلى ركن شديد.
إلا أن الشعور بالضعف من الطرف الآخر يكمن في وجود جماعة ينصرون ذلك الطرف
الآخر إما محبة أو تبعية أو نيل جائزة وهي المصلحة.
ومن هنا يشعر أحد الطرفين بالضعف والآخر يشعر بالقوة.
ومن هنا تظهر مشكلة تعقد الموضوع أكثر فأكثر.
تحويل الباطل حقا وتحويل الحق باطل
بسبب وجود النصرة من جماعة ما، وجدنا أن الحكم على القضية الآن ليس حكما من
أجل إقامة العدل.
بل نرى: أن الذي صار
قويا وإن كان على باطل يظن وهما بأنه على الحق، وأن الذي صار ضعيفا بتخلي الناس
عنه يظن وهما في نفسه أنه على الباطل، فانقلب الحق باطلا والباطل حقا، وهنا يأتي
الشعور بالدمار النفسي بالنسبة لصاحب الحق الذي ظن نفسه على الباطل، ويزداد كبر
الباطل الذي ظن نفسه على حق.
الانتصار على الباطل
عوامل الانتصار له مراحل:
1 – مرحلة ما قبل ظهور الخلاف بينكما.
وهذه المرحلة لها محطات يجب عليك أن تبنيها وتتشبث بها.
أ – عليك بنفسك.
بمعنى أن هناك مشكلة في داخلك وهي (الانتصار لمن تحب)، وأقصد بمن تحب هنا
أمرا آخر يكمن في شخصية من تحب؛ وهذا الأمر هو أن من تحب (صديق للمشاكل
والخصومات).
وهذا الحبيب قريب مقرب من قلبك، تحبه حبا زائدا عن الحد لدرجة أنك لا تميز
طريقه أهو على حق أم على باطل؟ لكثرة الأضرار التي تأتي بسببه.
وهذا الحبيب إما شخصا من عائلتك أو من الأصدقاء أو من عموم الناس.
فيا صديقي: مثل هذا لا يصاحب، ومثل هذا سينسى نصرتك له، ومثل هذا لن تجده
بجانبك في وقت صراعك مع الباطل، بل ستجده في بعض الأوقات مع خصمك، فيكون حزنك من
فعلته أشد من فعلة الباطل.
فابتعد عنه ولا تناصره لكيلا تخسر هيبتك وكرامتك في المستقبل.
هذا هو المقصود بقولي: عليك بنفسك، والتي معناها، عدم الانتصار لمن كان
صديق للمشاكل والخصومات بكثرة.
ب – شبكة العلاقات.
والغرض من بناء شبكة العلاقات: الإيواء للركن الشديد والتغلب بهذه الشبكة
على خصمك لأن تلك الشبكة ستكون واسطة صلح بينك وبين الباطل أو هزيمته فيما بعد.
وشبكة العلاقات مبناها: حسن الخلق، وأن لا تكن مشَّاءَ في غير حاجة وعدم
الإلحاح وكثرة المواظبة على الطلب بإصرار وعناد، ولا تعير الخاطئين بخطاياهم وابك
على خطيئتك، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
وبعد أن يكتمل البناء اجعل للصداقة درجات أقل من درجة الحب الذي هو التعلق
بشدة بالغير بطريقة مبالغ فيها.
وذلك بأن يكون زيد صديق مميز، وعمرو صديق أشد تميزا من زيد، وخالد صديق ليس
له علامة تمييز، فإن ظهر لك من يستحق المحبة في الله فالأمر يختلف لأنكما بذلك لا
ترجون سوى طريق الله وطريق التقوى الذي من المفترض أن يسير المجتمع كله فيه.
وقسم أدوار شبكتك، بمعنى أنني سأحتاج زيدا في المساعدة لاكتمال عمل مشروع
بحثي، وعمرو من أجل أن يصالحني على فلان، وخالد دليلا لمعرفة أماكن تصليح الأشياء.
لا أن تقول: علَى زيد أن يكون المساعد لاكتمال عمل مشروعي البحثي، وطرفا في
جلسات الصلح على فلان، ودليلا لمعرفة أماكن تصليح الأشياء.
بل بما ذكرت لك لتشعر بالسعادة والراحة.
جـ – عدم الاستجابة للآراء الهدامة.
بمعنى: أن هناك صديق يعينك على الثبات في طريق الحق، وهناك صديق لا يود سوى
أن يبرز رأيه وإن كان على حساب مستقبلك وأنت لا تدري، فاحذر من هذا الرجل إن وجدت
أن نصيحته نصيحة هدم لا بناء فهذا الرجل هو أول من لن تره بعد الخصومة بينك وبين
الباطل.
2 – مرحلة الصراع.
ومحطات هذه المرحلة:
أ – الاستعانة بالله والتوكل عليه وصلاة الاستخارة.
فمن استعان بالله وتوكل عليه وصلى صلاة الاستخارة فاز وفلح ونُصِر.
والتزم بعض الأدعية المأثورة والتي منها:
= اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عما سواك.
= اللهم اكفني شر كل ذي شر بما شئت وكيف شئت.
الخ.
ب – معرفة الباطل معرفة حقيقية.
فربما تظن أنك على الحق وهو على الباطل لعدم رؤياكما لبعضكما مثلا، فعندما
تره ويقع المحظور يظهر لك أنك فعلت خطأ فادحا.
جـ - مراجعة قراراتك ثم الصبر رويدا رويدا مع تهدئة
النفس.
وذلك لأنك كلما هدأت من نفسك وصبرت قليلا وراجعت قراراتك ستأتيك الحكمة.
فإن قمت بما ذكرته لك حقا فحتما سينصرك الله نصرا عزيزا ما دمت أنت الذي
على الحق لا على الباطل.
وذلك: لأنك توكلت على الله وبذلك لن يخذلك، ولأن شبكة العلاقات لن تتركك
وحيدا هكذا لأن منهم من سيكون واسطة في الصلح أو الانتصار، ولأن الحكمة ورحمة ربك
ستغشاك فتجد الفوز بعد مجيئهما قد أتيا.
إذا: الأمر متعلق بفعل ما تم ذكره لعلك بذلك تفوز وتنجوا.
الخاتمة
الباطل ضعيف وإن ظهر عليه أمارات القوة، فإن ربي يمهل ولا يهمل، والجزاء من
جنس العمل، فبعد سنوات يكون المنصب لشخص آخر، والأجر الضعيف أتى محل المنصب ومعه
المرض أو البكاء على زمن الشباب.
وبعد سنين من وفاة الباطل، بل وقرون، يأتي الحق وهو بمظهر جديد ليمحي مشروع
الباطل من أوله إلى آخره وكأن الباطل ما كان موجودا، فيصبح الباطل القديم في صفحات
سوداء من التاريخ.
إذا: على الحق أن يكون
حكيما قويا بناء، لا سفيها طائشا ضعيف البدن والرأي هداما لما شيده من بناء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تحريرا في عصر يوم الجمعة الموافق:
٢٢ صفر ١٤٤٢هـ
٠٩ اكتوبر ٢٠٢٠م.