مقالة استرجاع الأمل
تمهيد: يولد الإنسان من هنا فيتفاجأ بوجود ما يسمى بأطوار الحياة، فيتمنى أماني كثيرة وحياة سعيدة، وتجده في أول أمره ذا نشاط وعزيمة.
فعندما تسأله: من أين جئت بهذه الثقة الكبيرة وأنت لا تدري ما في الغد؟
تجد جوابه: لي أمل.
لكنه حينما يبدأ من هنا تأتيه المحن التي تعرقل تحقيق ما يراد تحقيقه، فتراه واقفا مكانه يائسا قانطا.
فحينما تسأله: لماذا لا تتقدم وتحقق ما حلمت به؟
تجد جوابه: ومن أين يأتيني الأمل وقد ضاع مني فقد فات الأوان.
فلكي يصلح من حاله ويسترجع أمله المفقود عليه أن ينظر لوقت مجيء المحنة بعد سعيه.
أوقات المحن
الوقت الأول: في أول طريقه وهو يخطو تلك الخطوات الأولية التي لا تؤثر في مستقبله ولكنها أزعجت مزاجه.
1 – إما لسبب خارج عن حلمه وتحقيقه:
بمعنى أنه ينظر دائما لماضيه الأسود، أو أنه لا يستطيع، أو يظهر له ما يثنيه عن طريقه.
فعليه حينئذ أن يجعل توكله على الله وحده وأن يرجوه وأن يتيقن بأن حلمه إن تحقق فإن الفوائد جمة فعليه بأن لا يشغل رأسه بما يثنيه عن طريقه لأنه على أقل تقدير إن أشغل رأسه بما يثنيه عن طريقه فسيخسر حلمه وسيخسر سعادته وسيعيش في ذات الهم طوال حياته وبذلك لم يستفد شيئا ولو كان طريق تحقيق حلمه شاق إلا أنه بالنسبة لعمر التعاسة التي وقع فيها بسبب انحرافه لحظات معدودات.
2 – أو كان السبب ضمني يخص تحقيق حلمه:
بمعنى أنه قد خططت لنفسه الطريق الذي سيسير فيه لكي ينجز ما يراد إنجازه، ولكن بعدما بدأ المسير وجد أن هناك انحرافات أوقفته فجعلته يقف ويفكر في تبديل الخطة مرارا وتكرارا، بل ويشعر بالهزيمة والضياع وأن الأمل هرب منه.
وهذا سببه الجهل التام بكل جوانب الوصول إلى الطريق المستقيم الذي من خلاله يحقق ما يرجوه.
ولكي يسترجع أمله: فعليه باستشارة من عاشوا نفس التجربة من قبل وأن يأخذ منهم ما يناسب شخصيته، وعليه بأن يعلم أنه قد توكل على ربه من قبل وأنه من توكل على ربه فلن يضيع لأن الفرج يأتي آخرا بشرط الاستئناف على أيَّة ظروف، وأن الخير سيأتي في النهاية كما اختاره الله لك.
وهذه المحنة إذا أردنا أن نطلق عليها لقبا فنلقبها بالمحنة التمهيدية.
الوقت الثاني: في أول طريقه وهو يخطو تلك الخطوات الأولية التي أثرت في مستقبله وحطمت معنوياته.
وتلك المحنة إذا أردنا أن نطلق عليها لقبا فنلقبها بالمحنة الصغرى.
وهي المحنة التي تأتيك عندما تخطوا أول خطوة نحو المرحلة الأولى من مراحل النجاح.
وتأتي بسببك أو بسبب خارج عن إرادتك.
أما عن سبب مجيئها بغير إرادتك: فإنه بلاء يحيطك لننظر إذا كنت ستجزع أم ستصبر؟ تستحق النجاح أم لا؟ ستستعين بربك وتشكره أم تكفره.
وأنواع مجيئها مذكور كما في الآية خمس وخمسون بعد المائة من سورة البقرة.
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}.
فإن أردت أن تسترجع أملك: فعليك بالدواء الذي ذكره الله لك وهو الصبر ففيه البشرى.
قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}. (1)
وقلها بلسان الراضي المتوكل على ربه: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. (2)
واستأنف المسير، لأنك حينها سيعوضك الله خيرا لأنه هو من قال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. (3)
وقال في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. (4)
أما عن مجيء المحنة الصغرى بسببك: فهذا من أجل أمر واحد فقط وهو التواكل المطلق.
والتواكل كما نعلم هو أن تقول: اتركها على الله، ولا تقوم بفعل شيء.
فاحذر من أن تخطط وتقول: ها أنا خططت، لنرتاح ونجلس ونتشاغل بأمور تافهة، ونتركها على الله.
لأن المحنة تأتي بسبب هذا، لكي توقظك من غفوتك إن كان من طبعك الإفاقة، هذا إن كنت حكيما، أما إن لم تكن حكيما فهذه لا تسمى محنة صغرى بل تسمى سقوط مطلق، لأنك لن تبالي وستدمر نفسيتك وسَيُكْلَمُ قلبك، وستبدأ مرحلة جديدة في حياتك، تلك التي أسميها بمرحلة الذل والهوان وعدم احترام الناس لك مهما صنعت.
فإن كنت من النوع الأخير الذي سقط سقوطا مطلقا فلاسترجاع أملك عوامل ثلاثة لابد وأن يجتمعوا في آن واحد لأنه إن لم يجتمع عامل منهم فلا فائدة:
العامل الأول: النصح والإرشاد.
وهذا يكون من الأقارب ومن المحببين لصديقنا، ولا يقوم النصح والإرشاد على القول، بل على التعاون والمساعدة الجسدية والمالية لجعله يستقبل العامل الآخر بكل رحب وسعة وسعادة.
العامل الثاني: ظهور ضوء ينير له ظلمته ويريد أن يمتلكه.
وهذا النور إما أن يكون عبارة عن إشارة من ربه، أو ظهور سعادة جديدة في هذا التوقيت تأتيه في صورة بهية يحبها وكان يتمناها من قبل.
فإن ظهر هذا الشيء المحبب فإنه سيسترجع أمله المفقود بعد أن يقرر استقبال العامل الجديد.
العامل الثالث: الدخول في طريق من طرق النجاح.
فيقوم بطاعة الله وتقواه ، ويحسن من أخلاقه ، ويضع الخطة الملائمة من استعانة بالله والتوكل عليه وكسبه صفة تغيير النفس وعدم المغالاة في فرحة لم يتمكن منها وأن لا يحزن على أمر قد اختفى فجأة ولا يعلم أحدا موطن مفتاحه وأن يكن كما يريد وليس كما يريدون ، وبعدها يهدأ ويركز عند وضعه الخطة ، ويقوم باستشارة الخبراء والمتخصصين ، ثم يختار الشركاء المناسبين ، وإياه والخطأ فلا يتواكل ولا يتخلى عن شيء مما خطط له وهو من المهم في شيء ، ولا يجني الثمرة قبل نضجها ، وإياه وأن يهبط عزيمته ، فيتكاسل أو يطمع ، أو يصاحب التعساء ، ويجتنب النظر إلى سلبيات الحياة كأن ينظر لحالته فييأس من فقرك أو ضعفه النفسي أو الجسدي أو ينظر إلى فساد المجتمع ، أو يشطط عند وصوله آخر الطريق.
الوقت الثالث: عند المغالاة في فرحة لم تتمكن منها بعد.
وهذه المحنة تأتي بعدما تفرح فرحا زائدا عن المعقول عندما خطوت خطوة نحو الأمام وكأنك امتلكت الأرض وما عليها ونسيت أن هناك خطوات قادمة وهي أهم من تلك التي سبقت.
وهذه المحنة إن أردنا أن نضع لها لقبا فنلقبها بالنكسة المفزعة، وهي لا تأتي إلا لمن قام بهذا الفعل الذي لا فائدة ترجى منه، فإن أردت أن تقي نفسك من هذا الأمر فعليك بعدم الفرحة الشديدة.
ولكن عليك بشيئين:
الشيء الأول: الابتسامة الخفيفة مع حمد الله وشكره.
فالابتسامة لها سحرها البراق، وفيها البشرى، وفيها نيل المراد ولإن شكرت ربك زادك.
الشيء الثاني: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
فما أتاك وأنت فرحا مشتاقا للقائه فهو بالنسبة لك كالجنة، فلولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
فبذلك إن كان في الأمر خير لك فسيتمه الله.
أما الفرحة الشديدة وكأنك امتلكت الشيء ففيها يكون التسرع في اتخاذ القرارات من غير تفكر وروية، والحسرة والندامة إن وجدت الأمل قد ضاع منك.
فإن أردت أن تسترجع أملك المفقود: فالجأ إلى ربك وفق من غفوتك ولا تيأس واستأنف الطريق المعد للنجاح.
الوقت الرابع: عند الوصول لباب تحقيق ما ترجوه.
وهذه المحنة إن أردنا أن نضع لها اسما فنسميها باللطف الخفي.
وهذه المحنة هي محنة الانتظار أمام باب النجاح، ولكنك للأسف لا تراه لأنه طُمِسَ عنك، أي أنه موجود أمامك ولا تراه، فيحدث لك من الجزع والحزن ما يحدث من شدة الهول العظيم الذي تعيش فيه.
بينما هذا الانتظار الذي أنت فيه من الخير ما فيه فأنت تحسبه شرا ولكنه الخير ذاته لأنك هنا في المعية وهي أن الله سيحقق غايتك، ولكن هذا التحقيق من الممكن أن يكون على نفس الصورة التي رسمتها، أو على صورتها لكنها أعلى وأرقى من تلك التي خططت لها، أو على صورة مخالفة تماما كل المخالفة عما كنت تريد ولكن فيها من مستويات الغنى ما هو أعلى وأرقى مما كنت تحلم به، لكن الفرق أنك ستقول، هذه هي، وتكررها.
الخاتمة
مما سبق يتبين لنا أن للمحن أوقات أربعة ونسبة الجزع تختلف من وقت لآخر، وأن استرجاع الأمل في مواجهة المحنة بأن تتوكل على ربك وتستأنف الطريق فلعل المحنة التي أنت فيها من باب اللطف الخفي.
وكم لله من لطفٍ خفيٍّ يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِــيِّ
وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ فَفَرَّجَ كُرْبَة َ القَلْبِ الشَّجِـيِّ
وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة ُ بالعَشِــــيِّ
إذا ضاقت بك الأحوال يوماً فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِــــيِّ
وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ فكم للهِ من لُطفٍ خفــــــــي.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه: إبراهيم محمد إبراهيم الصياد.
حرر حين غروب شمس يوم الجمعة:
7 شعبان 1440 هـ.
12 أبريل 2019 م.
4 برمودة 1735 ق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) {سورة البقرة: 155 – 157}.
(2) {سورة التوبة: 51}.
(3) {سورة البقرة: 155}.
(4) {سورة البقرة: 153}.
ليست هناك تعليقات: